اقلام حرة

هيثم طلعت ماذا رأى ؟ و “وصيته الاخيرة قبل وفاته”

في أحد أحياء القاهرة القديمة، عاش هيثم، رجل في الأربعين من عمره، وكان معروفًا بتعصبه الديني الشديد. نشأ هيثم في بيئة دينية ترفض الفلسفة وتعتبرها تهديدًا لأسس الدين، مما جعله يعتقد أن الإلحاد ليس مجرد فكرة فلسفية، بل هو دين كامل يتطلب محاربة أي مخالفيه بشدة، حتى إلى حد الدعوة للقضاء عليهم. في ذهنه، كان الإلحاد يمثل نوعًا من الدين الذي يستوجب إقصاء الفلاسفة ومخالفيه بكل الوسائل الممكنة.

اعتمد هيثم بشكل رئيسي على النسخ واللصق في نشر تعصبه. دون أن يمتلك فهمًا عميقًا للفلسفة أو حتى لمبادئ الإلحاد، كان يقوم بنسخ مقاطع من مواقع غير موثوقة أو من منشورات أيديولوجية على الإنترنت، والتي تزعم أن الإلحاد هو مؤامرة كبرى تهدف إلى تدمير القيم الأخلاقية. كان يروج لادعاءات غير مدعمة، مثل أن الملحدين مجانين ويقتلون بعضهم البعض، مكررًا هذه المزاعم دون تدقيق أو تفكير.

كان هيثم يكتب منشورات مليئة بالتحديات والتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان يهاجم الفلاسفة وأتباع الفكر الفلسفي بشدة. كان يزعم أن الفلاسفة هم “أعداء الدين” وأنهم يجب أن يُعاقبوا، بل دعا إلى قمعهم بطرق قاسية، معتقدًا أنهم يهددون الأسس الأخلاقية للمجتمع. في إحدى المرات، نشر فيديو يتحدث فيه عن “مؤامرة فلسفية” مفترضة، وادعى أن الفلاسفة يسعون لنشر “مبادئ هدامة” دون أن يكون لديه أي فهم حقيقي للفلسفة. كانت تعليقاته محل سخرية من قبل الكثيرين، مثل التعليق الذي قال: “هيثم يعتقد أن الفلسفة هي نوع من المؤامرة الكبرى، بينما هو يجهل حتى الأساسيات.”

لم يكن هيثم على دراية بأن هذه التصرفات تجعله أضحوكة في أعين الناس، حيث كان يكرر معلومات خاطئة ويستخدم أساليب غير مدروسة. في ذات الوقت، كانت الأوضاع القانونية في مصر تعزز من قمع الفكر الحر، مما ساعد هيثم على تنمية فكره المتعصب، الذي نما في بيئة تعارض التنوع الفكري وتشجع على المحافظة على المعتقدات التقليدية.

بسبب تعصبه الشديد، بدأت نوبات مرضه النفسي تتفاقم. كان يعاني من هلاوس مزعجة، حيث بدأ يرى رؤى غريبة لحوريات تدعوه إلى الإلحاد. في ذهنه، كانت هذه الرؤى تجسيدًا للشيطان، وكانت تسبب له القلق والاضطراب. حاول هيثم معالجة هذه الهلاوس بطرق دينية، فذهب إلى معلمه الديني المتعصب، الذي حاول بوسائل مثل الصلوات والرقى طرد هذه الرؤى من عقله، لكن دون جدوى. لم تنجح هذه الطرق في تخفيف معاناته، بل زادت من توتره.

فشل هيثم في العثور على الراحة من خلال الطرق التقليدية، وبدأ يشعر بأن معلمه الروحي لم يقدم له سوى التخفيف المؤقت. أصبح يائسًا ويشعر بالضياع، مما دفعه للبحث عن إجابات في أماكن غير مألوفة له. بدأ هيثم يتساءل عما إذا كان هناك طريقة أخرى لفهم معاناته، وقرر البحث عن المسيح الحقيقي في محاولة للحصول على كشف لحقيقة وجوده وعقيدته.

ذهب هيثم إلى العديد من الأماكن المقدسة، وشارك في جلسات تأمل ومناقشات روحية، معتقدًا أن العثور على المسيح الحقيقي قد يكون الحل لمشكلاته. في رحلته للبحث عن الحقيقة، كان يواجه مجموعة متنوعة من الأشخاص، بعضهم قدم له الدعم والتوجيه، بينما سخر آخرون من محاولاته. على الرغم من كل ذلك، كان هيثم متمسكًا بأمل ضعيف في أن يجد نوعًا من الخلاص.

في نهاية المطاف، قرر هيثم زيارة طبيب نفسي، عسى أن يجد عنده الحل لمشكلته. في العيادة النفسية، بدأ هيثم يحكي للطبيب عن هلاوسه، وعن اعتقاده الخاطئ بأن الإلحاد هو دين له طقوس ومؤامرات. بينما كان الطبيب يشرح له طبيعة الإلحاد كفكرة فلسفية بسيطة، بدأ هيثم يشعر بالصدمة. لم يكن قادرًا على قبول الحقيقة الجديدة، حيث أن جميع معتقداته عن “دين الإلحاد” قد انهارت أمامه.

في لحظاته الأخيرة، وهو يعاني من نوبة قلبية حادة، حاول هيثم استيعاب ما قاله الطبيب. في حالة من الاضطراب والذهول، قال بصوت ضعيف وهو يتنفس بصعوبة:

“لا تنسوا أنه تشهقوا على الملوخية… الإلحاد ليس دينًا، الإلحاد فكرة فلسفية.”

توفي هيثم في العيادة، تاركًا خلفه قصة مليئة بالألم والصراع العقلي. كانت حياته تجسيدًا للصراع الداخلي بين التعصب والواقع، وتذكيرًا مؤلمًا بكيفية أن التعصب يمكن أن يؤدي إلى معاناة شديدة، ويجعل الإنسان فريسة لصراعاته الداخلية. تبرز قصته كتحذير من كيف يمكن للتعصب الفكري أن يسبب الانهيار النفسي ويجعل من صاحبه سخرية في المجتمع.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى