اقلام حرة

رهبة التغيير ووحش التردد

 

في أعماق النفس البشرية، هناك ركن خفي، أشبه بغرفة مظلمة تتردد خطواتنا في دخولها. في هذه الغرفة يسكن وحش التردد، مخلوق غير مرئي لكنه حاضر بقوة، يتغذى على الخوف من المجهول، ويرتوي من قطرات الشك التي تنساب من القلوب حين تقترب من عتبة التغيير. إنه ليس وحشًا يظهر فجأة، بل ينمو في صمت، يراقب من بعيد حتى تأتي لحظة اتخاذ القرار، فيخرج ليواجهك، ليس بقوته، بل بضعفك.

التغيير، تلك الكلمة الصغيرة التي تحمل في حروفها وعدًا بالغموض والخوف معًا، كنسمة تحمل رائحة بحر لا تُرى نهايته. إنه الباب الذي يقودنا نحو فرص جديدة وآفاق غير متوقعة، لكنه في الوقت ذاته باب لا نعلم ما الذي يكمن خلفه. بين الفضول الذي يدفعنا للتقدم، والخوف الذي يشدنا إلى الخلف، نجد أنفسنا في معركة داخلية، طرفاها الأمل والتردد.

وحش التردد لا يظهر فجأة، بل ينبعث من بقايا الذكريات التي تعلمنا فيها أن الفشل مؤلم، ومن حكايات الآخرين التي تهمس لنا بخيباتهم. يقف أمامنا وكأنه الحارس الأخير قبل أن نعبر نحو المستقبل. همساته ليست مجرد كلمات؛ إنها صدى لأصوات قديمة، لأفكار زرعت في عقولنا منذ الصغر: “ماذا لو لم تنجح؟”، “ماذا لو فقدت كل شيء؟”، “أليس من الأفضل البقاء حيث تشعر بالأمان؟”

لكن ما لا يخبرك به هذا الوحش، أن الأمان الذي يعدك به ليس سوى وهم. الراحة في البقاء على ما أنت عليه هي في حقيقتها سجن مخملي، أسواره غير مرئية لكنها تمنعك من التحليق. التغيير ليس خطرًا كما يصوره لك، بل هو الجسر الوحيد الذي يربطك بحياة جديدة مليئة بالإمكانيات.

التردد ليس دائمًا عدوًا. إنه اختبار، محطة تقف فيها لتسأل نفسك: هل أنا مستعد؟ إنه اللحظة التي تعيد فيها تقييم قوتك وإيمانك بنفسك. لكن الخطأ يكمن في أن تجعل التردد نهاية الطريق. فالشجعان هم أولئك الذين يفهمون أن الخوف شعور طبيعي، لكنه ليس حاكمًا عليهم.

فكر في كل من سبقوك في مواجهة هذا الوحش. كم من أرواح خافت التغيير فتجمدت في أماكنها، تمضي الأيام دون أن تشعر بأنها تعيش، مكتفية بتكرار نفس التفاصيل الباهتة؟ وكم من قلوب تحدت الوحش وواجهته؟ هؤلاء الذين قرروا المغامرة وجدوا أنفسهم في عالم مختلف، عالم لم يكن ليظهر لهم لولا شجاعتهم في اتخاذ الخطوة الأولى.

إن التغيير رحلة تبدأ من داخلك، من قرارك بأنك تستحق الأفضل. قد يبدو الطريق مليئًا بالعقبات، لكنه أيضًا مليء بالاكتشافات. وكلما تقدمت خطوة، كلما أدركت أن الوحش الذي كنت تخشاه ليس إلا وهمًا.

لذا، إذا كنت الآن على حافة قرار يغير حياتك، لا تخف. انظر إلى وحش التردد في عينيه وابتسم. قل له: “شكراً لأنك أظهرت لي مخاوفي، لكنني لن أسمح لك أن توقفني.” واذهب بثقة نحو المجهول، لأنك في الحقيقة لا تسير نحوه، بل تسير نحو نفسك، نحو ذاتك التي لطالما حلمت أن تكون.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى